وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً نشأ عن تبرئة المؤمنين من أن يستأذنوا في الجهاد : ببيان الذين شأنهم الاستئذان في هذا الشأن، وأنّهم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر في باطن أمرهم لأنّ انتفاء إيمانهم ينفي رجاءهم في ثواب الجهاد، فلذلك لا يُعرضون أنفسهم له.
وأفادت ﴿ إنما ﴾ القصر.
ولمّا كان القصر يفيد مُفاد خبرين بإثبات شيء ونفي ضدّه كانت صيغة القصر هنا دالّة باعتبار أحدِ مُفَادَيها على تأكيد جملة ﴿ لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ [ التوبة : ٤٤ ] وقد كانت مغنية عن الجملة المؤكّدة لولا أنّ المراد من تقديم تلك الجملة التنويه بفضيلة المؤمنين، فالكلام إطناب لقصد التنويه، والتنويه من مقامات الإطناب.
وحُذف متعلِّق ﴿ يستأذنك ﴾ هنا لظهوره ممّا قبله ممّا يؤذِن به فعل الاستئذان في قوله :﴿ لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا ﴾ [ التوبة : ٤٤ ] والتقدير : إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون في أن لا يجاهدوا، ولذلك حذف متعلّق يستأذنك هنا.
والسامع البليغ يقدر لكلّ كلام ما يناسب إرادة المتكلّم البليغ، وكلّ على منواله ينسج.