ولما كانت هذه الآية في سياق المعاتبة لمن تثاقل إلى الأرض عن الجهاد عند الاستنفار في غزوة تبوك، وكان سبب التثاقل ما كان في ذلك ما كان في ذلك الوقت من العسرة في المال والشدة بالحر وما كان من طيب الظلال في أراضي الجنان وقت الأخذ في استواء الثمار - كما هو مشهور في السير ؛ اقتضى المقام هنا تقديم المال والنفس بخلاف ما مضى فإن الكلام كان في المفاضلة بين الجهاد في سبيل الله وخدمة البيت ومن يحجه في هذه السورة التي صادف وقت نزولها بعد مواطن الجهاد وطول المفارقة للأموال، والأولاد وقدم المال لأن النظر إليه من وجهين : قلته، ومحبة الإقامة في الحدائق أيثاراً للتمتع بها وخوفاً من ضياعها مع أن بها قوام الأنفس، فصار النظر إليها هو الحامل على الشح بالأنفس فقال تعالى :﴿بأموالكم وأنفسكم﴾ أي بهما معاً على ما أمكنكم أو بأحدهما ﴿في سبيل الله﴾ أي الملك الأعلى أي حتى لا يبقى منه مانع ﴿ذلكم﴾ أي الأمر العظيم ﴿خير﴾ أي في نفسه حاصل ﴿لكم﴾ أي خاص بكم، ويجوز أن يكون أفعل تفضيل بمعنى أن عبادة المجاهد بالجهاد خير من عبادة القاعد بغيره كائناً ما كان، كما قال ـ ﷺ ـ لمن سأله : هل يمكن بلوغ درجة المجاهد؟ فقال : هل تستطيع أن تقوم فلا تفتر وتصوم فلا تفطر؟ وختم الآية بقوله :﴿إن كنتم تعلمون﴾ إشارة إلى أن هذا الأمر وإن كان عاماً فإنما ينتفع به ذوو الأذهان الصافية والمعالم الوافية، فإن العلم - ولا يعد علماً إلا النافع - يحث على العمل وعلى إحسانه باخلاص النية وتصحيح المقاصد وتقوية العزم وغير ذلك وضده يورث ضده. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٢١ ـ ٣٢٢﴾