وقال أبو السعود :
﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لّي ﴾
في القعود ﴿ وَلاَ تَفْتِنّى ﴾ أي لا توقِعْني في الفتنة وهي المعصيةُ والإثمُ يريد إني متخلِّفٌ لا محالة أذِنتَ أو لم تأذَنْ فائذن لي حتى لا أقعَ في المعصية بالمخالفة أو لا تُلقِني في الهلكة فإني إن خرجتُ معك هلَك مالي وعيالي لعدم مَنْ يقوم بمصالحهم. وقيل : قال الجدُّ بنُ قيس : قد علمت الأنصارُ أني مشتهرٌ بالنساء فلا تفتنّي ببنات الأصفر، يعنى نساءَ الروم ولكن أُعينُك بمالي فاترُكني، وقرىء ولا تُفْتِنِّي من أفْتنَه بمعنى فتنه ﴿ أَلا فِى الفتنة ﴾ أي في عينها ونفسها وأكملِ أفرادِها الغنيِّ عن الوصف بالكمال الحقيقِ باختصاص اسمِ الجنسِ به ﴿ سَقَطُواْ ﴾ لا في شيء مُغايرٍ لها فضلاً عن أن يكون مهرَباً ومخلَصاً عنها وذلك بما فعلوا من العزيمة على التخلف والجراءةِ على الاستئذان بهذه الطريقة الشنيعةِ ومن القعود بالإذن المبنيِّ عليه وعلى الاعتذارات الكاذبةِ وقرىء بإفراد الفعلِ محافظةً على لفظ ( مَن ) وفي تصدير الجملةِ بحرف التنبيه مع تقديم الظرفِ إيذانٌ بأنهم وقعوا فيها وهم يحسَبون أنها مَنْجى من الفتنة زعماً منهم أن الفتنةَ إنما هي التخلفُ بغير إذن، وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة تنزيلٌ لها منزلةَ المَهواة المُهلِكةِ المُفصحةِ عن تردّيهم في دَركات الرَّدى أسفلَ سافلين.


الصفحة التالية
Icon