واعلم أنا قد ذكرنا في سورة الأنفال أن قريشاً ومن بمكة تعاقدوا على قتل رسول الله ﷺ فنزل ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر الصديق إلى الغار. فخرج وأمر علياً أن يضطجع على فراشه فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر يلتمس ما في الغار فقال له الرسول : مالك؟ فقال : بأبي أنت وأمي، الغيران مأوى السباع والهوام فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، فخرق عمامته وسد الحجرة وبقي حجر واحد فوضع عقبه عليه كيلا يخرج منه ما يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما طلب المشركون الأثر وقربوا بكى أبو بكر خوفاً على رسول الله ﷺ فقال عليه السلام :﴿ لا تحزن أن الله معنا ﴾ وقيل : طلع المشركون فوق الغار فاشفق أبو بكر على رسول الله ﷺ فقال إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال ﷺ : ما ظنك باثنين الله ثالثهما! وقيل : لما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله، والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله ﷺ : اللهم أعم أبصارهم. فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون له قد أخذ الله أبصارهم عنه. استدل أهل السنة بالآية على أفضلية أبي بكر وغاية اتحاده ونهاية صحبته وموافقة باطنه ظاهره وإلا لم يعتمد الرسول عليه في مثل تلك الحالة، وأنه كان ثاني رسول الله ﷺ في الغار وفي العلم لقوله " ما صب في صدري شيء إلا وصببته في صدر أبي بكر " وفي الدعوة إلى الله لأنه ﷺ عرض الإيمان أولاً على أبي بكر فآمن، ثم عرض أبو بكر الإيمان على طلحة والزبير وعثمان بن عفان وجماعة أخرى من أجلة الصحابة، وكان لا يفارق الرسول ﷺ في الغزوات وفي أداء الجماعات وفي المجالس والمحافل، وقد أقامه في مرضه مقامه في الإمامة، ولما توفي دفن بجنب رسول الله ﷺ، وكان ثاني اثنين من أول