ثم زعم أهل السنة أن الضمير في قوله ﴿ فأنزل الله سكينته عليه ﴾ عائد إلى أبي بكر لا إلى الرسول لأنه أقرب المذكورين فإن التقدير : إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر ولأن الخوف كان حاصلاً لأبي بكر والرسول كان آمناً ساكن القلب بما وعده الله من النصر، ولو كان خائفاً لم يمكنه إزالة الخوف عن غيره بقوله ﴿ لا تحزن ﴾ ولناسب أن يقال : فأنزل الله سكينته عليه فقال لصاحبه لا تحزن. واعترض بأن قوله ﴿ وأيده ﴾ عطف على ﴿ فأنزل ﴾ فواجب أن يتحد الضميران في حكم العود. وأجيب بأن قوله ﴿ وأيده ﴾ معطوف على قوله ﴿ فقد نصره ﴾ والتقدير : إلا تنصروه فقد نصره في واقعة الغار وأيده في واقعة بدر والأحزاب وحنين بالملائكة، والظاهر أن الحزن لا يبعد أن يكون شاملاً للنبي ﷺ أيضاً من حيث البشرية كقوله ﴿ وزلزلوا ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ] ويكون في الكلام تقديم وتأخير والتقدير : فأنزل الله سكينته عليه إذ يقول، أو يكون ﴿ فأنزل ﴾ معطوفاً على نصره. والمراد بالسكينة ما ألقي في قلبه من الأمنة التي سكن عندها قلبه وعلم أنه منصور لا محالة كقوله في قصة حنين ﴿ ثم أنزل الله سكينته على رسوله ﴾ [ التوبة : ٢٦ ] وقوله ﴿ وجعل ﴾ يعني يوم بدر وسائر الوقائع ﴿ كلمة الذين كفروا ﴾ وهي دعوتهم إلى الكفر وعبادة الأصنام ﴿ السفلى وكلمة الله ﴾ وهي دعوته إلى الإسلام أو كلمة التوحيد لا إله إلا الله ﴿ هي العليا ﴾ وفي توسيط كلمة الفصل - أعني هي - تأكيد فضل كلمة الله في العلو وأنها المختصة بالعلاء دون سائر الكلم. قال الفراء : لا أحب قراءة نصب الكلمة لأن الأجود حينئذ أن يقال : وكلمته هي العليا. ألا ترى أنك تقول : أعتق أبوك غلامه ولا تقول أعتق أبوك غلام أبيك؟ قلت : وفي الرفع أيضاً الاستئناف وما في الجملة الاسمية من الثبات ﴿ والله عزيز حكيم ﴾ قاهر غالب لا فعل له إلا الصواب.


الصفحة التالية
Icon