فصل


قال الفخر :
﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا﴾ وفيه أقوال :
القول الأول : أن المعنى أنه لن يصيبنا خير ولا شر، ولا خوف ولا رجاء، ولا شدة ولا رخاء، إلا وهو مقدرعلينا مكتوب عند الله، وكونه مكتوباً عند الله يدل على كونه معلوماً عند الله مقضياً به عند الله، فإن ما سواه ممكن، والممكن لا يترجح إلا بترجيح الواجب، والممكنات بأسرها منتهية إلى قضائه وقدره.
واعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية في أن قضاء الله شامل لكل المحدثات وأن تغير الشيء عما قضى الله به محال، وتقرير هذا الكلام من وجوه : أحدها : أن الموجود إما واجب وإما ممكن، والممكن يمتنع أن يترجح أحد طرفيه على الآخر لنفسه، فوجب انتهاؤه إلى ترجيح الواجب لذاته، وما سواه فواجب بإيجاده وتأثيره وتكوينه.
ولهذا المعنى قال النبي عليه السلام :" جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " وثانيها : أن الله تعالى لما كتب جميع الأحوال في اللوح المحفوظ فقد علمها وحكم بها، فلو وقع الأمر بخلافها لزم انقلاب العلم جهلاً والحكم الصدق كذباً، وكل ذلك محال، وقد أطنبنا في شرح هذه المناظرة في تفسير قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [ البقرة : ٦ ].
فإن قيل : إنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام تسلية للرسول في فرحهم بحزنه ومكارهه فأي تعلق لهذا المذهب بذلك ؟
قلنا : السبب فيه قوله ﷺ :" من علم سر الله في القدر هانت عليه المصائب " فإنه إذا علم الإنسان أن الذي وقع امتنع أن لا يقع، زالت المنازعة عن النفس وحصل الرضا به.


الصفحة التالية
Icon