الرابع : ذكروا أن قوله تعالى :﴿ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم، يعني نزّل خلق داعية القعود فيهم، منزلة الأمر، والقول الطالب، كقوله تعالى :﴿ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ أي : أماتهم، أو هو تمثيل لوسوسة الشيطان بالأمر بالقعود، أو هو حكاية قول بعضهم لبعض، أو هو إذن الرسول ﷺ لهم بالقعود.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله :﴿ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ ؟ قلت : هو ذم لهم وتعجيز، وإلحاق بالنساء والصبيان والزَّمْنَى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى :﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفَ ﴾.
قال الناصر : وهذا من تنبيهاته الحسنة. ونزيده بسطاً فنقول :
لو قيل :﴿ اقْعُدُوا ﴾ مقتصراً عليه، لم يُفِدْ سوى أمرهم بالقعود، وكذلك : كُونوا مع الْقَاعِدِينَ.
ولا تحصل هذه الفائدة من إلحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفين عند الناس بالتخلف والتقاعد، الموسومين بهذه السمة، إلا من عبارة الآية، ولعن الله فرعون، لقد بالغ في توعيد موسى عليه السلام بقوله :﴿ لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾، ولم يقل : لأجعلنك مسجوناً. لمثل هذه النكتة من البلاغة. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٨ صـ ٤٣٩ ـ ٤٤١﴾


الصفحة التالية
Icon