وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) ﴾
ففي ترددهم دلالة على أنهم لا يريدون الخروج للجهاد ؛ ولو كانوا عازمين بالفعل على ذلك لأعدوا ما يلزمهم للحرب من الزاد الراحلة والسلاح، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً من هذا قط ؛ لأنهم افتقدوا النية الصادقة للجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
ولقائل أن يقول : ألم يكن من الجائز أن يعدوا كل شيء للقتال في آخر لحظة؟ نقول : لا، فالذاهب إلى القتال لا يمكن أن يستعد في آخر لحظة. بل لا بد أن يشغل نفسه بمقدمات الحرب من سلاح وزاد وراحلة وغير ذلك، ولو لم يشغل نفسه بهذه المسائل قبل الخروج بفترة وتأكد من صلاحية سلحه للقتال ؛ ووجود الطعام الذي سيحمله معه ؛ وغير ذلك، لما استطاع أن يخرج مقاتلاً. فليست المسألة بنت اللحظة. بل كان عدم استعدادهم للقتال يُعَدُّ كشفاً للخميرة المبيَّتة في أعماقهم بألا يخرجوا، وسبحانه قد اطلع علة نواياهم، وما تُخْفى صدورهم، وقد جازاهم بما أخفوا في أنفسهم. لذلك يقول :
﴿ ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين ﴾ وسبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد من خلقه، بل الخلق هم الذين في احتياج دائم إليه سبحانه ؛ لذلك ثبط هؤلاء عن الخروج، وكره سبحانه خروجهم للقتال، و " ثبطهم " أي جعلهم في مكانهم، ولم يقبل منهم أن يعدوا العدة للقتال كراهية منه سبحانه أن يخرجوا بنشاط إلى القتال. والكره : عملية وجدانية. والتثبيط : عملية نزوعية.