وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (٤٨) ﴾
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يُذكِّر المؤمنين بالوقائع السابقة التي ارتكبها المنافقون والكفار تجاه الإسلام والمسلمين من : مؤامرات على الإسلام، ومحاولات للإيقاع بين المسلمين ؛ والتآمر على رسول الله ﷺ.
وقوله تعالى :﴿ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ ﴾ له ﷺ دليل على تلك الوقائع السابقة. أما قوله تعالى ﴿ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور ﴾. فالتقليب : هو جعل أسفل الشيء عاليه، وعاليه أسفله ؛ حتى لا يستتر منه شيء. وهذا مظهر الفاكهة مُنْتقىً بعناية، فإذا اشتريتَ منه ملأ لك الكيس من الصنف الرديء الذي أخفاه أسفل القفص. وهكذا يأتي لك بالأسفل أو بالشيء الرديء المكشوف عورته. والذي لا يمكن أن تشتريه لو رأيته ويضعه لك.
وهكذا يفعل المنافقون حين يُقلِّبون الأمر على الوجوه المختلفة حتى يصادفوا ما يعطيهم أكبر الشر للمؤمنين دون أن يصابوا هم بشيء. والمثال الواضح : عندما تآمرت قريش على رسول الله ﷺ، وجاءوا من كل قبيلة بشاب ليضربوه ضرب رجل واحد ليضيع دمه بين القبائل.
لكن الحق سبحانه يأتي إلى كل هذه الفتن ويجعلها لصالح المؤمنين، ولذلك يقول جل جلاله :
﴿ حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ فالتآمر على رسول الله ﷺ ومحاولة قتله جعل الأمور تؤدي إلى هجرته ﷺ من مكة وخروجه منها مما جعله الله سبحانه وتعالى سبباً في إظهار الحق وانتشار الإسلام ؛ لأن الله لا يرسل رسولاً ثم يخذله، فما دام قد أرسل رسولاً فلا بد أن ينصره، فأريحوا أنفسكم، ولا تبغوا الفتنة ؛ لأن السابق من الفتن انقلب عليكم وأدَّى إلى خير كثير للمؤمنين.