قال البصرية : العدم لا يصلح أن يكون متعلقاً، وذلك لأن الإرادة عبارة عن صفة تقتضي ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر، والعدم نفي محض، وأيضاً فالعدم المستمر لا تعلق للإرادة بالعدم به، لأن تحصيل الحاصل محال، وجعل العدم عدماً محال، فثبت أن تعلق الإرادة بالعدم محال، فامتنع القول بأن المراد من الكراهة إرادة العدم.
أجاب أصحابنا : بأنا نفسر الكراهة في حق الله بإرادة ضد ذلك الشيء، فهو تعالى أراد منهم السكون، فوقع التعبير عن هذه الإرادة بكونه تعالى كارهاً لخروجهم مع الرسول.
المسألة الثالثة :
احتج أصحابنا في مسألة القضاء والقدر بقوله تعالى :﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ أي فكسلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث، وحاصل الكلام فيه لا يتم إلا إذا صرحنا بالحق، وهو أن صدور الفعل يتوقف على حصول الداعي إليه، فإذا صارت الداعية فاترة مرجوحة امتنع صدور الفعل عنه، ثم إن صيرورة تلك الداعية جازمة أو فاترة، إن كانت من العبد لزم التسلسل، وإن كانت من الله ؛ فحينئذ لزم المقصود.
لأن تقوية الداعية ليست إلا من الله، ومتى حصلت تلك التقوية لزم حصول الفعل، وحينئذ يصح قولنا في مسألة القضاء والقدر.
ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله :﴿وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
المقصود منه التنبيه على ذمهم وإلحاقهم بالنساء والصبيان والعاجزين الذين شأنهم القعود في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف على ما ذكره في قوله :﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف﴾ [ التوبة : ٨٧، ٩٣ ].
المسألة الثانية :