فصل
قال الفخر :
﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لّي وَلاَ تَفْتِنّى﴾
يريد ائذن لي في القعود ولاتفتني بسبب الأمر بالخروج، وذكروا فيه وجوها : الأول : لا تفتني أي لا توقعني في الفتنة وهي الإثم بأن لا تأذن لي، فإنك إن منعتني من القعود وقعدت بغير إذنك وقعت في الإثم، وعلى هذا التقدير فيحتمل أن يكونوا ذكروه على سبيل السخرية، وإن يكونوا أيضاً ذكروه على سبيل الجد، وإن كان ذلك المنافق منافقاً كان يغلب على ظنه كون محمد عليه السلام صادقاً، وإن كان غير قاطع بذلك.
والثاني : لا تفتني أي لا تلقني في الهلاك فإن الزمان زمان شدة الحر ولا طاقة لي بها.
والثالث : لا تفتني فإني إن خرجت معك هلك مالي وعيالي.
والرابع : قال الجد بن قيس : قد علمت الأنصار أني مغرم بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر، يعني نساء الروم، ولكني أعينك بمال فاتركني، وقرىء ﴿وَلاَ تَفْتِنّى﴾ من أفتنه ﴿أَلا فِى الفتنة سَقَطُواْ﴾ والمعنى أنهم يحترزون عن الوقوع في الفتنة، وهم في الحال ما وقعوا إلا في الفتنة، فإن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله ورسوله، والتمرد عن قبول التكليف.
وأيضاً فهم يبقون خالفين عن المسلمين، خائفين من أن يفضحهم الله، وينزل آيات في شرح نفاقهم وفي مصحف أبي ﴿سُقِطَ﴾ لأن لفظ من موحد اللفظ مجموع المعنى.
قال أهل المعاني : وفيه تنبيه على أن من عصى الله لغرض ما، فإنه تعالى يبطل عليه ذلك الغرض، ألا ترى أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة، فالله تعالى بين أنهم في عين الفتنة واقعون ساقطون.
ثم قال تعالى :﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين﴾ قيل : إنها تحيط بهم يوم القيامة.
وقيل إن أسباب تلك الإحاطة حاصلة في الحال، فكأنهم في وسطها.