فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٣) ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن عاقبة هؤلاء المنافقين هي العذاب في الدنيا وفي الآخرة، بين أنهم وإن أتوا بشيء من أعمال البر فإنهم لا ينتفعون به في الآخرة، والمقصود بيان أن أسباب العذاب في الدنيا والآخرة مجتمعة في حقهم، وأن أسباب الراحة والخير زائلة عنهم في الدنيا وفي الآخرة، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي ﴿كَرْهاً﴾ بضم الكاف ههنا، وفي النساء والأحقاف، وقرأ عاصم وابن عامر في الأحقاف بالضم من المشقة، وفي النساء والتوبة بالفتح من الإكراه والباقون بفتح الكاف في جميع ذلك.
فقيل : هما لغتان.
وقيل : بالضم المشقة وبالفتح ما أكرهت عليه.
المسألة الثانية :
قال ابن عباس : نزلت في الجد بن قيس حين قال للنبي ﷺ ائذن لي في القعود وهذا ما لي أعينك به.
واعلم أن السبب وإن كان خاصاً إلا أن الحكم عام، فقوله :﴿أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ وإن كان لفظه لفظ أمر، إلا أن معناه معنى الشرط والجزاء.
والمعنى : سواء أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يقبل ذلك منكم.
واعلم أن الخبر والأمر يتقاربان، فيحسن إقامة كل واحد منهما مقام الآخر.
أما إقامة الأمر مقام الخبر، فكما ههنا، وكما في قوله :﴿استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [ التوبة : ٨٠ ] وفي قوله :﴿قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً﴾ [ مريم : ٧٥ ] وأما إقامة الخبر مقام الأمر، فكقوله :﴿والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] وقال كثير :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة.. لدينا ولا مقلية إن تقلت
وقوله :﴿طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ يريد طائعين أو كارهين.


الصفحة التالية
Icon