وتسمية ما يصدر عن الكافر حسنة إنما هو بحسب ظنّ الكافر، وإلاَّ فلا يصح منه قُرْبة، لعدم شرطها المصحِّح لها وهو الإيمان.
أو سُمّيت حسنة لأنها تشبه صورة حسنة المؤمن ظاهراً.
قولان أيضاً.
الثالثة فإن قيل : فقد روى مسلم " عن حكيم بن حِزام أنه قال لرسول الله ﷺ : أيْ رسولَ الله، أرأيت أُموراً كنتُ أتحنّث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلةِ رحِم أفيها أجر؟ فقال رسول الله ﷺ :"أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير" " قلنا قوله :" أسلمت على ما أسلفت من خير " مخالف ظاهره للأُصول، لأن الكافر لا يصح منه التقرّب لله تعالى فيكون مثاباً على طاعته ؛ لأن من شرط المتقرِّب أن يكون عارفاً بالمتقرَّب إليه، فإذا عدم الشرط انتفى صحة المشروط.
فكان المعنى في الحديث : إنك اكتسبت طباعاً جميلة في الجاهلية أكسبتك عادة جميلة في الإسلام.
وذلك أن حكيماً رضي الله عنه عاش مائة وعشرين سنة ؛ ستّين في الإسلام وستّين في الجاهلية، فأعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير؟ وكذلك فعل في الإسلام.
وهذا واضح.
وقد قيل : لا يبعد في كرم الله أن يثيبه على فعله ذلك بالإسلام، كما يسقط عنه ما ارتكبه في حال كفره من الآثام.
وإنما لا يثاب من لم يسلم ولا تاب، ومات كافراً.
وهذا ظاهر الحديث.
وهو الصحيح إن شاء الله.
وليس عدم شرط الإيمان في عدم ثواب ما يفعله من الخير ثم أسلم ومات مسلماً بشرط عقليّ لا يتبدّل، والله أكرم من أن يضيع عمله إذا حسن إسلامه.
وقد تأوّل الحربي الحديث على هذا المعنى فقال :" أسلمتَ على ما أسلفتَ " ؛ أي ما تقدّم لك من خير عملته فذلك لك.
كما تقول : أسلمت على ألف درهم ؛ أي على أن أحرَزَها لنفسه.
والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon