وقال ابن عاشور :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٣) ﴾
ابتداء كلام هو جواب عن قول بعض المستأذنين منهم في التخلّف "وأنا أعينك بمالي".
روي أنّ قائل ذلك هو الجدّ بن قيس، أحد بني سَلِمة، الذي نزل فيه قوله تعالى :﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ﴾ [ التوبة : ٤٩ ] كما تقدّم، وكان منافقا.
وكأنّهم قالوا ذلك مع شدّة شُحِّهم لأنّهم ظنّوا أنّ ذلك يرضي النبي ﷺ عن قعودهم عن الجهاد.
وقوله :﴿ طوعاً أو كرهاً ﴾ أي بمال تبذلونه عوضاً عن الغزو، أو بمال تنفقونه طوعاً مع خروجكم إلى الغزو، فقوله :﴿ طوعاً ﴾ إدماج لتعميم أحوال الإنفاق في عدم القبول فإنّهم لا ينفقون إلاّ كرهاً لقوله تعالى بعد هذا :﴿ ولا ينفقون إلا وهم كارهون ﴾ [ التوبة : ٥٤ ].
والأمر في ﴿ أنفقوا ﴾ للتسوية أي : أنفقوا أو لا تنفقوا، كما دلّت عليه ﴿ أوْ ﴾ في قوله ﴿ طوعاً أو كرهاً ﴾ وهو في معنى الخبر الشرطيّ لأنّه في قوة أن يقال : لن يتقبّل منكم إن أنفقتم طوعاً أو أنفقتم كَرهاً، ألا ترى أنّه قد يَجيء بعد أمثاله الشرطُ في معناه كقوله تعالى :﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾ [ التوبة : ٨٠ ].
والكَره أشدّ الإلزام، وبينه وبين الطوع مراتب تعلم إرادتها بالأوْلى، وانتصب ﴿ طوعاً أو كرهاً ﴾ على النيابة عن المفعول المطلق بتقدير : إنفاقَ طَوع أو إنفاقَ كَره.
ونائت فاعل يتقبّل : هو ﴿ منكم ﴾ أي لا يتقبّل منكم شيء وليس المقدّرُ الإنفاقَ المأخوذَ من ﴿ أنفقوا ﴾ بل المقصود العموم.
وجملة ﴿ إنكم كنتم قوماً فاسقين ﴾ في موضع العلّة لنفي التقبّل، ولذلك وقعت فيها ( إنَّ ) المفيدة لِمعنى فاء التعليل، لأنّ الكافر لا يتقبّل منه عمل البرّ.


الصفحة التالية
Icon