فصل


قال الفخر :
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
دل صريح هذه الآية على أنه لا تأثير للفسق من حيث إنه فسق في هذا المنع، وذلك صريح في بطلان قول المعتزلة على ما لخصناه وبيناه.
المسألة الثانية :
ظاهر اللفظ يدل على أن منع القبول بمجموع الأمور الثلاثة، وهي الكفر بالله ورسوله، وعدم الإتيان بالصلاة إلا على وجه الكسل، والإنفاق على سبيل الكراهية.
ولقائل أن يقول : الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبول، وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر، فكيف يمكن إسناد هذا الحكم إلى السببين الباقيين ؟
وجوابه : أن هذا الإشكال إنما يتوجه على قول المعتزلة، حيث قالوا : إن الكفر لكونه كفراً يؤثر في هذا الحكم، أما عندنا فإن شيئاً من الأفعال لا يوجب ثواباً ولا عقاباً ألبتة، وإنما هي معرفات واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد محال، بل نقول : إن هذا من أقوى الدلائل اليقينية على أن هذه الأفعال غير مؤثرة في هذه الأحكام لوجوه عائدة إليها، والدليل عليه أنه تعالى بين أنه حصلت هذه الأمور الثلاثة في حقهم، فلو كان كل واحد منها موجباً تاماً لهذا الحكم، لزم أن يجتمع على الأثر الواحد أسباب مستقلة، وذلك محال، لأن المعلول يستغنى بكل واحد منها عن كل واحد منها، فيلزم افتقاره إليها بأسرها حال استغنائه عنها بأسرها، وذلك محال، فثبت أن القول بكون هذه الأفعال مؤثرة في هذه الأحكام يفضي إلى هذا المحال، فكان القول به باطلاً.
المسألة الثالثة :
دلت هذه الآية على أن شيئاً من أعمال البر لا يكون مقبولاً عند الله مع الكفر بالله.


الصفحة التالية
Icon