وخامسها : أن كثيراً من المنافقين كان لهم أولاد أتقياء، كحنظلة بن أبي عامر غسلته الملائكة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي، شهد بدراً وكان من الله بمكان، وهم خلق كثير مبرؤن عن النفاق وهم كانوا لا يرتضون طريقة آبائهم في النفاق، ويقدحون فيهم، ويعترضون عليهم، والابن إذا صار هكذا عظم تأذى الأب به واستيحاشه منه، فصار حصول تلك الأولاد سبباً لعذابهم.
وسادسها : أن فقراء الصحابة وضعافهم كانوا يذهبون في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الغزوات، ثم يرجعون مع الاسم الشريف والثناء العظيم والفوز بالغنائم.
وهؤلاء المنافقون مع الأموال الكثيرة والأولاد الأقوياء، كانوا يبقون في زوايا بيوتهم أشباه الزمنى والضعفاء من الناس، ثم إن الخلق ينظرون إليهم بعين المقت والازدراء والسمة بالنفاق، وكأن كثرة الأموال والأولاد صارت سبباً لحصول هذه الأحوال، فثبت بهذه الوجوه أن كثرة أموالهم وأولادهم صارت سبباً لمزيد العذاب في الدنيا في حقهم.
المسألة الرابعة :
احتج أصحابنا في إثبات أن كل ما دخل في الوجود فهو مراد الله تعالى بقوله :﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون﴾ قالوا : لأن معنى الآية أن الله تعالى أراد إزهاق أنفسهم مع الكفر ومن أراد ذلك فقد أراد الكفر.
أجاب الجبائي فقال : معنى الآية أنه تعالى أراد إزهاق أنفسهم حال ما كانوا كافرين، وهذا لا يقتضي كونه تعالى مريداً للكفر، ألا ترى أن المريض قد يقول للطبيب : أريد أن تدخل علي في وقت مرضي، فهذه الإرادة لا توجب كونه مريداً لمرض نفسه، وقد يقول للطبيب : أريد أن تطيب جراحتي، وهذا لا يقتضي أن يكون مريداً لحصول تلك الجراحة، وقد يقول السلطان لعسكره : اقتلوا البغاة، حال إقدامهم على الحرب، وهذا لا يدل على كونه مريداً لذلك الحرب، فكذا ههنا.


الصفحة التالية
Icon