وفي عهد رسول الله صلى الله عليه سلم كان أبو عامر عدواً لله ورسوله. وكان ابنه حنظلة مؤمناً، وكلما رأى أبو عامر ابنه كان قلبه يغلي بالغيظ، وعندما نودي للقتال، وسمع حنظلة نداء الجهاد بعد أن فرغ من الاستمتاع مع زوجته فلم يصبر إلى أن يغتسل من الجنابة، بل سارع إلى الحرب مع رسول الله ﷺ واستشهد في المعركة ولكن كيف عرف الصحابة قصة حنظلة، مع أن هذه المسألة تكون سراً بين الرجل وزوجته لا يعرفه أحد؟ لقد عرف المؤمنون بخبر حنظلة حين رأى رسول الله ﷺ بإشراقات الله أن الملائكة تنزل من السماء وتُغسِّل حنظلة. ولما كان الشهيد لا يُغسل، فقد عرف الرسول أن هذا ليس غُسْلاً من الشهادة، وإنما هو غُسْل حتى لا يُقْبِلَ الشهيد على الله وهو جُنُب، رأى الرسول ﷺ ما حدث لحنظلة، وعندما عاد إلى المدينة بعث إلى زوجة حنظلة وسألها : ماذا حدث ساعة ساعة خروج حنظلة إلى المعركة؟ فقالت أنه سمع نداء القتال، خرج بدون غُسْل. وتأمل كيف نزلت الملائكة لتغسل شهيداً هو ابن عدو الله ورسوله. وكيف يكون هذا غَيْظاً في قلب الأب.
وقصة أخرى : سيدنا عبدالله بن عبدالله بي أبيّ ؛ والده عبدالله بن أبيّ كان زعيم المنافقين في المدينة، وهو الذي انسحب يوم أحد ومعه ثلث المقاتلين من المعركة. ويسمع عبدالله أن صحابة رسول الله ﷺ، يطلبون منه الإذن بقتل والده ابن أبيّ، انظروا إلى الإيمان. فها هو الابن يذهب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقول له : يا رسول الله إن كنتَ آمراً بقتل أبي فأمرني بقتله ؛ حتى لا ألقي قاتله من المسلمين وفي قلبي غِلٌّ عليه.
وعندما يسمع الأب أن ابنه يطلب أن يكون قاتله، أليس هذا عذاباً في قلبه؟ وهكذا نرى أن الأموال والأولاد الذين كان من المفروض أن يكونوا نعمة يصبحون نقمة، أليس هذا عذاباً في الدنيا؟


الصفحة التالية
Icon