من الإفساد إصلاحاً كما مر إظهارٌ منهم للشقاق، وبروزٌ بأشخاصهم من نَفَق النفاق.
والاعتذارُ بأن المرادَ بما نُهوا عنه مداراتُهم للمشركين كما ذكر في بعض التفاسير، وبالإصلاح الذي يدْعونه إصلاحَ ما بينهم وبين المؤمنين، وأن معنى قوله تعالى :﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون﴾ أنهم في تلك المعاملة مفسدون لمصالح المؤمنين، لإشعارها بإعطاء الدنِيّة، وإنبائِها عن ضعفهم الملجىءِ إلى توسيط مَنْ يتصدى لإصلاح ذاتِ البين، فضلاً عن كونهم مصلحين مما لا سبيل إليه قطعاً، فإن قوله تعالى :﴿ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ ناطقٌ بفساده كيف لا وهو يقتضي أن يكون المنافقون في تلك الدعوى صادقين قاصدين للإصلاح، ويأتيهم الإفسادُ من حيث لا يشعرون، ولا ريب في أنهم فيهم كاذبون لا يعاشرونهم إلا مضارّةً للدين، وخيانةً للمؤمنين، فإذن طريقُ حلِّ الأشكال ليس إلا ما أشير إليه، فإن قولَهم إنما نحن مصلحون محتملٌ للحَمْلِ على الكذب، وإنكارِ صدورِ الإفساد المنسوب إليهم عنهم، على معنى إنما نحن مصلحون لا يصدُر عنا ما تنهوننا عنه من الإفساد وقد خاطبوا به الناصحين استهزاءً بهم وإرادةً لإرادة هذا المعنى وهم معرِّجون على المعنى الإول، فرُد عليهم بقوله تعالى :﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون﴾ الآية، والله سبحانه أعلم بما أودعه في تضاعيف كتابهِ المكنونِ من السر المخزون، نسأله العصمةَ والتوفيق، والهداية إلى سَواءِ الطريق. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ١ صـ ٤٤ ـ ٤٥﴾


الصفحة التالية
Icon