فيقال حصل للمالك حق الاكتساب وحق تعلق قلبه به، وحصل للفقير حق الاحتياج، فرجحنا جانب المالك، وأبقينا عليه الكثير وصرفنا إلى الفقير يسيراً منه توفيقاً بين الدلائل بقدر الإمكان.
الثاني : أن المال الفاضل عن الحاجات الأصلية إذا أمسكه الإنسان في بيته بقي معطلاً عن المقصود الذي لأجله خلق المال، وذلك سعي في المنع من ظهور حكمة الله تعالى، وهو غير جائز، فأمر الله بصرف طائفة منه إلى الفقير حتى لا تصير تلك الحكمة معطلة بالكلية.
الثالث : أن الفقراء عيال الله لقوله تعالى :
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ [ هود : ٦ ] والأغنياء خزان الله لأن الأموال التي في أيديهم أموال الله، ولولا أن الله تعالى ألقاها في أيديهم وإلا لما ملكوا منها حبة، فكم من عاقل ذكي يسعى أشد السعي، ولا يملك ملء بطنه طعاماً، وكم من أبله جلف تأتيه الدنيا عفواً صفواً.
إذا ثبت هذا فليس بمستبعد أن يقول الملك لخازنه : اصرف طائفة مما في تلك الخزانة إلى المحتاجين من عبيدي.
الوجه الرابع : أن يقال : المال بالكلية في يد الغني مع أنه غير محتاج إليه، وإهمال جانب الفقير العاجز عن الكسب بالكلية ؛ لا يليق بحكمة الحكيم الرحيم، فوجب أن يجب على الغني صرف طائفة من ذلك المال إلى الفقير.
الوجه الخامس : أن الشرع لما أبقى في يد المالك أكثر ذلك المال وصرف إلى الفقير منه جزأ قليلاً، تمكن المالك من جبر ذلك النقصان بسبب أن يتجر بما بقي في يده من ذلك المال ويربح ويزول ذلك النقصان.
أما الفقير ليس له شيء أصلاً، فلو لم يصرف إليه طائفة من أموال الأغنياء لبقي معطلاً وليس له ما يجبره، فكان ذلك أولى.


الصفحة التالية
Icon