إذن : فالذي يحب ماله عليه أن يصحب معه هذا المال لمدة أطول، وأن يتعدى به مجرد الوجود في الدنيا، وأن يصل به إلى دار الخلود. ومن يعشق المال - إذا أراد أن يبقيه - فلينفقه في الصدقة.
" ولنا الأسوة الحسنة في رسول الله ﷺ حين جاءته شاة كهدية، فقال للسيدة عائشة رضي الله عنها :" تصدقي بلحمها ". وكانت السيدة عائشة رضوان الله عليها تعرف أن رسول الله ﷺ يحب لحم الكتف، فتصدقت بلحم الشاة كلها، وأبقَتْ قطعة من لحم الكتف لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وعندما عاد رسول الله ﷺ، سألها : ماذا فعلت بلحم الشاة؟ قالت : تصدقت بها كلها وأبقيت كتفها. فقال :" بل قولي أبقيتها كلها إلا كتفها "
وذلك لأن ما تصدقت به السيدة عائشة هو الباقي. وما أبقته لهما هو الذي سيفني. وهكذا سمي رسول الله ﷺ الأشياء بحقيقة مسمياتها.
فالذي يحب صحبة ماله في الدنيا والآخرة، عليه أن يقدم بعضاً منه صدقة للفقير والمحتاج، ليبارك الله له في الدنيا، ويجزيه خير الثواب في الآخرة. وقد سأل رجل الإمام عليا رضي الله عنه : أريد أن أعرف : هل أنا من أهل الآخرة؟. قال الإمام علي كرم الله وجهه : الجواب عندك أنت، لا عندي، انظر إذا دخل عليك من يعطيك، ودخل عليك من يطلب منك، أيهما ترحب به وتقابله ببشاشة ؛ أيهما تحب؟ إن كنت تحب من يأخذ منك فأنت من أهل الآخرة، وإن كنت تحب من يعطيك فأنت من أهل الدنيا ؛ لأن من يأخذ منك يحمل حسناتك إلى الآخرة، وأما من يعطيك فيزيدك من الدنيا ولا يعطي آخرتك شيئاً.
ونقول للذي يحب المال : اجعل حبك للمال يبقيه لك فترة أطول من عمر الدنيا ؛ فالدنيا ليست هي المقاس، ودنياك قدر عمرك فيها. أما الآخرة فأنت خالد فيها، فتصدق ببعض مالك يكن لك خيراً في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon