وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي تَمْلِيكًا وَالْعَبْدُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا بِالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الرِّقُّ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَقُومَ فِيهِ مَقَامَ الْمَوْلَى فَيَتَصَرَّفَ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ الْمَوْلَى، فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ لِلْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ سُقُوطُ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِذَلِكَ شَيْئَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُجْزِيًا مِنْ الصَّدَقَةِ إذْ
شَرْطُ الصَّدَقَةِ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِتْقَ وَاقِعٌ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى غَيْرُ مُنْتَقِلٍ إلَى الْغَيْرِ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ مِنْهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ وُقُوعُهُ عَنْ الصَّدَقَةِ.
وَلَمَّا قَامَتْ الْحُجَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُكَاتَبُونَ.
وَأَيْضًا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ مَنْ أَعَانَ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَوْ غَازِيًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ ﴾، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُكَاتَبِينَ مَعُونَةٌ لَهُمْ فِي رِقَابِهِمْ حَتَّى يُعْتَقُوا، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon