وَقَدْ رُوِيَتْ أَخْبَارٌ هِيَ أَشَدُّ اسْتِفَاضَةً، وَأَصَحُّ طُرُقًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَةً لَهُمَا، مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثٍ فَذَكَرَ إحْدَاهُنَّ فَقْرٌ مُدْقِعٌ، وَقَالَ : أَوْ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ﴾، وَلَمْ يَشْرُطْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَمَ الْقُوَّةِ وَالْعَجْزَ عَنْ الِاكْتِسَابِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ ﴿ أَنَّهُ حَمَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ ﴾،
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا أَقْوِيَاءَ مُكْتَسِبِينَ، وَلَمْ يَخُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ زَمِنًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ الِاكْتِسَابِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ :﴿ إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ﴾ فَلَمَّا قَالَ لَهُمَا :﴿ إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا ﴾، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا مَا أَعْطَاهُمَا مَعَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ جَلَدِهِمَا وَقُوَّتِهِمَا وَأَخْبَرَ.


الصفحة التالية
Icon