وَيُؤَيِّدُ مَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ : وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِيذَاءَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ يُنَافِي الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرَّحْمَةِ، فَجَزَاؤُهُ ضِدُّ جَزَائِهِ وَهُوَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ الْإِيلَامِ، وَفِي إِضَافَةِ الرَّسُولِ إِلَى اسْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيذَانٌ بِأَنَّ إِيذَاءَهُ إِيذَاءً لِمُرْسِلِهِ أَيْ : سَبَبٌ لِعِقَابِهِ، كَمَا أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةٌ لَهُ وَسَبَبٌ لِثَوَابِهِ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ (٤ : ٨٠) وَقَوْلُهُ : لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ هِيَ خَبَرٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَفِي هَذَا تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِهَا.
الْآيَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِيذَاءَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كُفْرٌ إِذَا كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الرِّسَالَةِ ؛ فَإِنَّ إِيذَاءَهُ فِي رِسَالَتِهِ، يُنَافِي صِدْقَ الْإِيمَانِ بِطَبِيعَتِهِ، وَأَمَّا الْإِيذَاءُ الْخَفِيفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَادَاتِ وَالشُّئُونِ الْبَشَرِيَّةِ فَهُوَ حَرَامٌ، لَا كُفْرٌ، كَإِيذَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُطِيلُونَ الْمُكْثَ فِي بُيُوتِهِ عِنْدَ نِسَائِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ فَنَزَلَ فِيهِمْ : إِنَّ ذَلِكُمْ


الصفحة التالية
Icon