الثاني : أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول إلا أنهم شاهدوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.
الثالث : قال الأصم : أنهم كانوا يعرفون كونه رسولاً صادقاً من عند الله تعالى، إلا أنهم كفروا به حسداً وعناداً.
قال القاضي : يبعد في العالم بالله وبرسوله وصحة دينه أن يكون محاداً لهما.
قال الداعي إلى الله : هذا غير بعيد لأن الحسد إذا قوي في القلب صار بحيث ينازع في المحسوسات، الرابع : معنى الحذر الأمر بالحذر، أي ليحذر المنافقون ذلك.
الخامس : أنهم كانوا شاكين في صحة نبوته وما كانوا قاطعين بفسادها.
والشاك خائف، فلهذا السبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم، ثم قال صاحب "الكشاف" : الضمير في قوله :﴿عَلَيْهِمْ﴾ و ﴿تُنَبّئُهُمْ﴾ للمؤمنين، وفي قوله :﴿فِى قُلُوبِهِمْ﴾ للمنافقين ويجوز أيضاً أن تكون الضمائر كلها للمنافقين، لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم، ومعنى ﴿تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم﴾ أن السورة كأنها تقول لهم في قلوبهم كيت وكيت، يعني أنها تذيع أسرارهم إذاعة ظاهرة فكأنها تخبرهم.
ثم قال :﴿قُلِ اسْتَهْزءُواْ﴾ وهو أمر تهديد كقوله :﴿وَقُلِ اعملوا﴾ [ التوبة : ١٠٥ ] ﴿إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾ [ التوبة : ٦٤ ] أي ذلك الذي تحذرونه، فإن الله يخرجه إلى الوجود، فإن الشيء إذا حصل بعد عدمه، فكان فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ٩٦ ـ ٩٧﴾