وقال ابن عطية :
﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾
الضمير في قوله ﴿ ومنهم ﴾ عائد على المنافقين، و﴿ يؤذون ﴾ لفظ يعم جميع ما كانوا يفعلونه ويقولونه في جهة رسول الله ﷺ من الأذى، وخص بعد ذلك من قولهم ﴿ هو أذن ﴾، وروي أن قائل هذه اللفظة نبتل بن الحارث وكان من مردة المنافقين، وهو الذي قال فيه رسول الله ﷺ من سره أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان ثائر الرأس منتفش الشعرة أحمر العينين أسفع الدين مشوهاً، روي عن الحسن البصري ومجاهد أنهما تأولا أنهم أرادوا بقولهم ﴿ هو أذن ﴾ أي يسمع منا معاذيرنا وتنصلنا ويقبله، أي فنحن لا نبالي عن أذاه ولا الوقوع فيه إذ هو سماع لكل ما يقال من اعتذار ونحوه، فهذا تنقص بقلة الحزامة والانخداع، وروي عن ابن عباس وجماعة معه أنهم أرادوا بقوله ﴿ هو أذن ﴾ أي يسمع كل ما ينقل إليه عنا ويصغي إليه ويقبله، فهذا تشكٍّ منه ووصف بأنه يسوغ عنده الأباطيل والنمائم، ومعنى ﴿ أذن ﴾ سماع، ويسمى الرجل السماع لكل قول أذناً إذا كثر منه الإبل التي قد بزل نابها ناب وقيل معنى الكلام ذو أذن أي ذو سماع، وقيل إن قوله ﴿ أذن ﴾ مشتق من قولهم أذن للشيء إذا استمع كما قال الشاعر وهو علي بن زيد :[ الرمل ]
أيها القلب تعللْ بِدَدنْ... إن همّي في سماعٍ وأَذَنْ
وفي التنزيل ﴿ وأذنت لربها وحقت ﴾ [ الإنشقاق : ٢-٥ ] ومن هذا قول النبي ﷺ " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " ومن هذا قول الشاعر [ عدي بن زيد ] :[ الرمل ]
في سماع يأذن الشيخ له... وحديث مثل ماذيّ مشار
ومنه قوله الآخر [ قعنب بن أم صاحب ] :[ البسيط ]
صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا


الصفحة التالية
Icon