ثم إذا شهد انطباق القرآن على كلية الأمة فكان بذلك عالماً ينفتح له باب ترق، فيترقى سمعه إلى أن يجد جميع كلية القرآن المنطبق على كلية الأمة منطبقاً على ذاته في أحوال نفسه وتقلباته وتصرفات أفعاله وازدحام خواطره حتى يسمع القرآن منطبقاً عليه فينتفع بسماع جميعه ويعتبر بأي آية سمعها منه فيطلب موقعها في نفسه فيجدها بوجه ما رغبة كانت أو رهبة تقريباً كانت أو تبعيداً إلى أرفع الغايات أو إلى أنزل الدركات، فيكون بذلك عارفاً، هذا مقصود التنبيه في هذا الفصل جملة، ولنتخذ لذلك مثالاً يرشد لتفهم ذلك الانطباق على كلية الأمة علماً وعلى خصوص ذات القارىء السامع عرفاناً، فاعلم أن أصول الأديان المزدوجه التي لم تترق إلى ثبات حقائق المؤمنين فمن فوقهم من المحسنين والموقنين التي جملتها تحت حياطة الملك والجزاء والمداينة، الذين تروعهم رائعة الموت أولاً ثم رائعة القيامة ثانياً إلى ما يشتمل عليه يوم الدين من أهوال المواقف الخمسين التي كل موقف منها ألف من السنين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فعدد هذه الأديان سبعة، ما من دين منها إلا ويوجد في صنف من أصناف هذه الأمة، وتجده المعتبر في نفسه في وقت ما بقلة أو كثرة بدوام أو خطرة بضعف أو شدة على إثر دين غالب أو عن لمح عين زائل، وهذه الأديان السبعة هي دين ﴿الذين آمنوا﴾ من هذه الأمة ولم يتحققوا لحقيقة الإيمان فيكونوا من المؤمنين الذين صار الإيمان وصفاً ثابتاً في قلوبهم، الموحدين المتبرئين من الحول والقوة، المتحققين لمعناه، إقداراً لله عليهم بما شاء لا بما يشاؤون ﴿الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون - أولئك هم المؤمنون حقاً﴾ [ الأنفال : ٢-٤ ]، وأما الذين آمنوا فهم الذين لا يثبتون على حال إيمانهم ولكن تارة وتارة، ولذلك هم المنادون والمنهيون والمأمورون في جميع القرآن الذين يتكرر عليهم النداء في


الصفحة التالية
Icon