" بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما " وكما قال تبارك وتعالى ﴿لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ ينظر المنافق إلى ما يستسقط به فضائل أهل الفضل ويتعامى عن محاسنهم، كما روي أن الله يبغض التارك لحسنة المؤمن الآخذ لسيئته، والمؤمن الصادق يتغافل عن مساوىء أهل المساوىء فكيف بمعايب أهل المحاسن! ومن أظهر علامات المنافق تبرمه بأعمال الصادق كما ذكر، ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله، وعن ذلك المنافق غماز لماز بخيل جبان مرتاع، مستثقل في مجامع الخير أجنبي منها، مستخف في مواطن الشر متقدم فيها، طلق اللسان بالغيبة والبهتان، ثقيل اللسان عن مداومة ذكر الله تبارك وتعالى، عم عن ذكر الله عز وجل في كل حال، ناظر إلى الناس بكل وجه، وهو مع ذلك يصانعهم ولا يصادقهم، يأخذ من الدين ما ينفعه في الدنيا ولا يأخذ ما ينفع في العقبى، ويجتنب في الدين ما يضر في الدنيا ولا يجتنب ما يضر في في العقبى مما لا يضر في الدنيا، فهذا وجه من وقوع شياع النفاق في هذه الأمة، فلذلك من حق القارىء أن يستشعر مواقع آي القرآن من نفسه في ذات قلبه وفي أحوال نفسه وأعمال بدنه وفي سره مع ربه وفي علانيته مع خلقه، فإنه بذلك يجد القرآن كله منطبقاً عليه خاصاً به حتى كأن جميعه لم ينزل إلا إليه حتى إذا رغب في أمر رغب هو فيه من وجه ولا يقول : هذا إنما أنزل في كذا، وإذا رهب القرآن من أمر رهبه من وجه ما، وإذا أعلى فكذلك وإذا أسفل فكذلك، ولا يقول : هذا إنما أنزل في كذا حتى يجد لكل القرآن موقعاً في عمله أيّ عمل كان ومحلاً في نفسه أيّ حال كان ومشعراً لقلبه أيّ ملحظ كان، فيستمع القرآن بلاغاً من الله سبحانه وتعالى إليه بلا واسطة بينه وبينه، فعند ذلك يوشك أن يكون ممن يقشعر له جلده ابتداء ثم تلين له جلده وقلبه انتهاء، وربما يجد من الله سبحانه وتعالى


الصفحة التالية
Icon