فصل


قال الفخر :
﴿كالذين مِن قَبْلِكُمْ﴾
واعلم أن هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب، وهذا الكاف للتشبيه، وهو يحتمل وجوهاً : الأول : قال الفراء : فعلتم كأفعال الذين من قبلكم، والمعنى : أنه تعالى شبه المنافقين بالكفار الذين كانوا قبلهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وقبض الأيدي عن الخيرات، ثم إنه تعالى وصف أولئك الكفار بأنهم كانوا أشد قوة من هؤلاء المنافقين وأكثر أموالاً وأولاداً، ثم استمتعوا مدة بالدنيا ثم هلكوا وبادوا وانقلبوا إلى العقاب الدائم، فأنتم مع ضعفكم وقلة خيرات الدنيا عندكم أولى أن تكونوا كذلك.
والوجه الثاني : أنه تعالى شبه المنافقين في عدولهم عن طاعة الله تعالى، لأجل طلب لذات الدنيا بمن قبلهم من الكفار، ثم وصفهم تعالى بكثرة الأموال والأولاد وبأنهم استمتعوا بخلاقهم، والخلاق النصيب، وهو ما خلق للإنسان، أي قدر له من خير، كما قيل له : قسم لأنها قسم ونصيب، لأنه نصب أي ثبت، فذكر تعالى أنهم استمتعوا بخلاقهم فأنتم أيها المنافقون استمتعم بخلاقكم كما استمتع أولئك بخلاقهم.
فإن قيل : ما الفائدة في ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم ذكره في حق المنافقين ثانياً ثم ذكره في حق الأولين ثالثاً.


الصفحة التالية
Icon