ويجوز أن تكون الآية قد نزلت قبل أن يسألهم الرسول، وأنّه لمَّا سألهم بعدها أجابوا بما أخبرت به الآية.
والقصر للتعيين : أي ما تحدثْنا إلاّ في خوض ولعب دون ما ظننته بنا من الطعن والأذى.
والخوض : تقدّم في قوله تعالى :﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ﴾ في سورة الأنعام ( ٦٨ ).
واللعب تقدّم في قوله :﴿ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ﴾ في الأنعام ( ٣٢ )، ولمّا كان اللعب يشمل الاستهزاء بالغير جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله : كنتم تستهزءون } فلمّا كان اعتذارهم مبهماً ردّ عليهم ذلك إذ أمر الله رسوله ﷺ أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به فقال لهم ﴿ أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ﴾، على نحو قوله تعالى :﴿ فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ﴾ [ الإسراء : ٥١ ].
والاستفهام إنكاري توبيخي.
وتقديم المعمول وهو ﴿ أبالله ﴾ على فعله العامل فيه لقصد قصر التعيين لأنّهم لما أتوا في اعتذارهم بصيغة قصر تعيين جيء في الردّ عليهم بصيغة قصر تعيين لإبطال مغالطتهم في الجواب، فاعلمهم بأنّ لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلاّ استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك، فقصْر الاستهزاء على تعلّقه بمن ذكر اقتضى أنّ الاستهزاء واقع لا محالة لأنّ القصر قيد في الخبر الفعلي، فيقتضي وقوعَ الفعل، على ما قرّره عبد القاهر في معنى القصر الواقع في قول القائل : أنَا سعيتُ في حاجتك وأنّه يؤكّد بنحو : وحدي، أوْ لا غيري، وأنّه يقتضي وقوع الفعل فلا يقال : ما أنا قلت هذا ولا غيري، أي ولا يقال : أنا سعيت في حاجتك وغيري، وكذلك هنا لا يصحّ أن يفهم أبالله كنتم تستهزِئون أم لَمْ تكونوا مستهزئين.
والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم : لأنّهم استهزأوا برسوله وبدينه، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١٠ صـ ﴾