وقال ابن الجوزى :
﴿ إن يُعْفَ عن طائفة منكم ﴾
يعني : الجهير ﴿ نعَذِّبْ طائفة ﴾ يعني : الجَدَّ ووديعة، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس.
والثاني : أن رجلاً من المنافقين قال : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء، ولا أرغبَ بطوناً، ولا أكذبَ، ولا أجبنَ عند اللقاء، يعني رسول الله ﷺ وأصحابه، فقال له عوف بن مالك : كذبت، لكنك منافق، لأخبرن رسول الله ﷺ، فذهب ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه ؛ فجاء ذلك الرجل فقال : يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، هذا قول ابن عمر، وزيد بن أسلم، والقرظي.
والثالث : أن قوماً من المنافقين كانوا يسيرون مع رسول الله ﷺ، فقالوا : إن كان ما يقول هذا حقاً، لنحن شرٌّ من الحمير، فأعلم الله نبيه ما قالوا، ونزلت :﴿ ولئن سألتهم ﴾ قاله سعيد بن جبير.
والرابع : أن رجلاً من المنافقين قال : يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا، وما يُدريه ما الغيب؟ فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
والخامس :" أن ناساً من المنافقين قالوا : يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات ؛ فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله ﷺ : احبسوا علي الرَّكب فأتاهم، فقال :"قلتم كذا وكذا" فقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب " ؛ فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والسادس : أن عبد الله بن أُبيٍّ، ورهطاً معه، كانوا يقولون في رسول الله وأصحابه مالا ينبغي، فإذا بلغ رسولَ الله ﷺ، قالوا : إنما كنا نخوض ونلعب، فقال الله تعالى :﴿ قل ﴾ لهم ﴿ أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ﴾، قاله الضحاك.
فقوله :﴿ ولئن سألتهم ﴾ أي : عما كانوا فيه من الاستهزاء ﴿ ليقولُنّ إنما كنا نخوض ونلعب ﴾ أي : نلهو بالحديث.
وقوله :﴿ قد كفرتم ﴾ أي : قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان ؛ وهذا يدل على أن الجِدَّ واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء.