فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) ﴾
واعلم أنا ذكرنا أنه تعالى لما وصف المنافقين بالصفات الخبيثة وتوعدهم بأنواع العقاب، وكانت عادة الله تعالى في هذا الكتاب الكريم جارية بذكر الوعد مع الوعيد، لا جرم ذكر عقيبه وصف المؤمنين بالصفات الشريفة الطاهرة الطيبة، ووعدهم بالثواب الرفيع والدرجات العالية، ثم عاد مرة أخرى إلى شرح أحوال الكفار والمنافقين في هذه الآية فقال :﴿يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين﴾ وفي الآية سؤال، وهو أن الآية تدل على وجوب مجاهدة المنافقين وذلك غير جائز، فإن المنافق هو الذي يستر كفره وينكره بلسانه ومتى كان الأمر كذلك لم يجز محاربته ومجاهدته.
واعلم أن الناس ذكروا أقوالاً بسبب هذا الإشكال.
فالقول الأول : أنه الجهاد مع الكفار وتغليظ القول مع المنافقين وهو قول الضحاك.
وهذا بعيد لأن ظاهر قوله :﴿جاهد الكفار والمنافقين﴾ يقتضي الأمر بجهادهما معاً، وكذا ظاهر قوله :﴿واغلظ عَلَيْهِمْ﴾ راجع إلى الفريقين.
القول الثاني : أنه تعالى لما بين للرسول ﷺ بأن يحكم بالظاهر، قال عليه السلام :" نحن نحكم بالظاهر " والقوم كانوا يظهرون الإسلام وينكرون الكفر، فكانت المحاربة معهم غير جائزة".
والقول الثالث : وهو الصحيح أن الجهاد عبارة عن بذل الجهد، وليس في اللفظ ما يدل على أن ذلك الجهاد بالسيف أو باللسان أو بطريق آخر فنقول : إن الآية تدل على وجوب الجهاد مع الفريقين، فأما كيفية تلك المجاهد فلفظ الآية لا يدل عليها، بل إنما يعرف من دليل آخر.
وإذا ثبت هذا فنقول : دلت الدلائل المنفصلة على أن المجاهدة مع الكفار يجب أن تكون بالسيف، ومع المنافقين بإظهار الحجة تارة، وبترك الرفق ثانياً، وبالانتهار ثالثاً.


الصفحة التالية
Icon