ولما كان هذا السيافق لصنف يجددون الاستخفاف بالله تعالى - بما دل عليه المضارع كل وقت، دل على أن إقرارهم بالإيمان كذب وأفعالهم صور لا حقائق لها، فعبر بالإسلام فقال :﴿وكفروا﴾ أي اظهروا الكفر ﴿بعد إسلامهم﴾ أي بما ظهر من أفعالهم وأقوالهم، وذلك غاية الفجور ؛ ولما كان أعلى شغف الإنسان بشيء ان تحدثه نفسه فيه بما لا يصل إليه، فيكون ذلك ضرباً من الهوس قال :﴿وهموا بما لم ينالوا﴾ أي من قتل الرسول ـ ﷺ ـ أو إخراجه من المدينة، فجمعوا بين أنواع الكفر القول والفعل والاعتقاد، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في ﴿مأواهم﴾ والتقدير على هذا : يدخلون جهنم حالفين بالله : ما قالوا كلمة الكفر، ولقد قالوها، فيكون كقوله
﴿ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين﴾ [ الأنعام : ٢٣ ].
ولما بين من أحوالهم التي لا يحمل على فعلها إلا أمر عظيم، قال :﴿وما﴾ أي قالوا وفعلوا والحال انهم ما ﴿نقموا﴾ أي كرهوا شيئاً من الأشياء التي أتتهم من الله ﴿إلا أن أغناهم الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال وهو غني عن العالمين ﴿ورسوله﴾ أي الذي هو أحق الخلق بأن يجوز عظمة الإضافة إليه سبحانه، وكان أذاهم هذا النبي ـ ﷺ ـ وهمهم بقتله مع إعطائه لهم ما أغناهم بخلاف الآية السابقة، فكان الأقعد في ذمهم تأخير قوله :﴿من فضله﴾ فهو من باب : ولا عيب فيهم.
ولما نبه على أن هذه المساوىء قابلوا بها المحسن إليهم، رغبهم بأنه قابل المتاب عليهم، ورهبهم بأنه لا مرد لما يريد من العذاب بقوله :﴿فإن يتوبوا﴾ ولما كان المقام جديراً بأن يشتد تشوف السامع إلى معرفة حالهم فيه، حذف نون الكون اختصاراً تنبيهاً على ذلك فقال ﴿يك﴾ أي ذلك ﴿خيراً لهم﴾ من إصرارهم.


الصفحة التالية
Icon