قال القاضي : يبعد أن يكون المراد من الآية هذه الوقائع وذلك لأن قوله :﴿يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر﴾ إلى آخر الآية كلها صيغ الجموع، وحمل صيغة الجمع على الواحد، خلاف الأصل.
فإن قيل : لعل ذلك الواحد.
قال في محفل ورضي به الباقون.
قلنا : هذا أيضاً خلاف الظاهر لأن إسناد القول إلى من سمعه ورضي به خلاف الأصل، ثم قال : بلى الأولى أن تحمل هذه الآية على ما روي : أن المنافقين هموا بقتله عند رجوعه من تبوك وهم خمسة عشر تعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، وكان عمار بن ياسر آخذاً بالخطام على راحلته وحذيفة خلفها يسوقها، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح، فالتفت، فإذا قوم متلثمون.
فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا.
والظاهر أنهم لما اجتمعوا لذلك الغرض، فقد طعنوا في نبوته ونسبوه إلى الكذب والتصنع في ادعاء الرسالة، وذلك هو قول كلمة الكفر وهذا القول اختيار الزجاج.
فأما قوله :﴿وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم﴾ فلقائل أن يقول : إنهم أسلموا، فكيف يليق بهم هذا الكلام ؟
والجواب من وجهين : الأول : المراد من الإسلام السلم الذي هو نقيض الحرب، لأنهم لما نافقوا، فقد أظهروا الإسلام، وجنحوا إليه، فإذا جاهروا بالحرب، وجب حربهم.
والثاني : أنهم أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام.
وأما قوله :﴿وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ﴾ المراد إطباقهم على الفتك بالرسول، والله تعالى أخبر الرسول عليه السلام بذلك حتى احترز عنهم، ولم يصلوا إلى مقصودهم.
وأما قوله :﴿وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ ففيه بحثان :


الصفحة التالية
Icon