وقد تقدّم قول مجاهد في هذا.
الرابعة قوله تعالى :﴿ وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ أي ليس ينقمون شيئاً ؛ كما قال النابغة :
ولا عَيْبَ فيهم غير أن سيوفهم...
بهنّ فُلول من قِراع الكتائب
ويقال : نَقَم ينقِم، ونَقِم ينقَم، قال الشاعر في الكسر :
ما نقِموا من بني أُميّة إلا...
أنهم يحلمُون إن غضبوا
وقال زهير :
يؤخّرْ فيوضع في كتاب فَيُدَّخَرْ...
ليوم الحساب أو يُعَجّلْ فينقَمِ
ينشد بكسر القاف وفتحها.
قال الشعبِيّ : كانوا يطلبون دِيَّةً فيقضي لهم بها رسول الله ﷺ فاستغنوا : ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفاً.
ويقال : إن القتيل كان مَوْلَى الجُلاَس.
وقال الكلبيّ : كانوا قبل قدوم النبيّ ﷺ في ضنك من العيش، لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة، فلما قدم عليهم النبيّ ﷺ استغنوا بالغنائم.
وهذا المثل مشهور ( اتق شر من أحسنت إليه ).
قال القشيرِيّ أبو نصر : قيل للبَجَليّ أتجد في كتاب الله تعالى اتق شر من أحسنت إليه؟ قال نعم، ﴿ وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾.
الخامسة قوله تعالى :﴿ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ روي أن الجلاس قام حين نزلت الآية فاستغفر وتاب.
فدل هذا على توبة الكافر الذي يُسِر الكفر ويُظهر الإيمان ؛ وهو الذي يسميه الفقهاء الزنديق.
وقد اختلف في ذلك العلماء ؛ فقال الشافعيّ : تقبل توبته.
وقال مالك : توبة الزنديق لا تعرف ؛ لأنه كان يظهر الإيمان ويُسِرّ الكفر، ولا يعلم إيمانه إلا بقوله.
وكذلك يُفعل الآن في كل حين، يقول : أنا مؤمن وهو يضمر خلاف ما يظهر ؛ فإذا عثر عليه وقال : تبت، لم يتغيّر حاله عما كان عليه.
فإذا جاءنا تائباً من قِبل نفسه قَبْل أن يعثر عليه قُبلت توبته ؛ وهو المراد بالآية.
والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon