السؤال الثالث : قوله :﴿لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ المراد منه إخراج مال، ثم إن إخراج المال على قسمين قد يكون واجباً، وقد يكون غير واجب.
والواجب قسمان : قسم وجب بإلزام الشرع ابتداء، كإخراج الزكاة الواجبة، وإخراج النفقات الواجبة، وقسم لم يجب إلا إذا التزمه العبد من عند نفسه مثل النذور.
إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة، فقوله :﴿لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ هل يتناول الأقسام الثلاثة، أو ليس الأمر كذلك ؟
والجواب : قلنا أما الصدقات التي لا تكون واجبة، فغير داخلة تحت هذه الآية، والدليل عليه أنه تعالى وصفه بقوله :﴿بَخِلُواْ بِهِ﴾ والبخل في عرف الشرع عبارة عن منع الواجب، وأيضاً أنه تعالى ذمهم بهذا الترك وتارك المندوب لا يستحق الذم.
وأما القسمان الباقيان، فالذي يجب بإلزام الشرع داخل تحت الآية لا محالة، وهو مثل الزكوات والمال الذي يحتاج إلى إنفاقه في طريق الحج والغزو، والمال الذي يحتاج إليه في النفقات الواجبة.
بقي أن يقال : هل تدل هذه الآية على أن ذلك القائل، كان قد التزم إخراج مال على سبيل النذر ؟ والأظهر أن اللفظ لا يدل عليه، لأن المذكور في اللفظ ليس إلا قوله :﴿لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ وهذا لا يشعر بالنذر، لأن الرجل قد يعاهد ربه في أن يقوم بما يلزمه من الإنفاقات الواجبة إن وسع الله عليه، فدل هذا على أن الذي لزمهم إنما لزمهم بسبب هذا الالتزام، والزكاة لا تلزم بسبب هذا الالتزام، وإنما تلزم بسبب ملك النصاب وحولان الحول.


الصفحة التالية
Icon