قال الجبائي : إن المشبهة تمسكوا في إثبات رؤية الله تعالى بقوله :﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام﴾ قال واللقاء ليس عبارة عن الرؤية، بدليل أنه قال في صفة المنافقين :﴿إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ وأجمعوا على أن الكفار لا يرونه، فهذا يدل على أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية.
قال : والذي يقويه قوله عليه السلام :" من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها حق امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " وأجمعوا على أن المراد من اللقاء ههنا : لقاء ما عند الله من العقاب فكذا ههنا.
والقاضي استحسن هذا الكلام.
وأقول : أنا شديد التعجب من أمثال هؤلاء الأفاضل كيف قنعت نفوسهم بأمثال هذه الوجوه الضعيفة ؟ ! وذلك لأنا تركنا حمل لفظ اللقاء على الرؤية في هذه الآية، وفي هذا الخبر لدليل منفصل، فلم يلزمنا ذلك في سائر الصور.
ألا ترى أنا لما أدخلنا التخصيص في بعض العمومات لدليل منفصل، لم يلزمنا مثله في جميع العمومات أن نخصصها من غير دليل، فكما لا يلزم هذا لم يلزم ذلك فإن قال هذا الكلام إنما يقوى لو ثبت أن اللقاء في اللغة عبارة عن الرؤية، وذلك ممنوع.
فنقول : لا شك أن اللقاء عبارة عن الوصول ومن رأى شيئاً فقد وصل إليه فكانت الرؤية لقاء، كما أن الإدراك هو البلوغ.
قال تعالى :﴿قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [ الشعراء : ٦١ ] أي لملحقون، ثم حملناه على الرؤية فكذا ههنا، ثم نقول : لا شك أن اللقاء ههنا ليس هو الرؤية، بل المقصود أنه تعالى ﴿فأعقبهم نفاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ أي حكمه وقضاءه، وهو كقول الرجل ستلقى عملك غداً، أي تجازى عليه، قال تعالى :﴿بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾ والمعنى : أنه تعالى عاقبهم بتحصيل ذلك النفاق في قلوبهم لأجل أنهم أقدموا قبل ذلك على خلف الوعد وعلى الكذب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١١٣ ـ ١١٤﴾


الصفحة التالية