وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾.
وَقَوْلُهُ فِيهِ : إنَّ الْمُؤْمِنَ يُصَلِّي فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ كَذَلِكَ، فَقَدْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالْغُسْلَ تَكَاسُلًا إذَا أَسَرَّ، وَيَفْعَلُهَا رِيَاءً إذَا جَهَرَ وَلَا يُكَذِّبُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ مِثْلُهُ، وَلَا يَكُونُ مُنَافِقًا بِذَلِكَ، لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْمُنَافِقَ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ، وَالْعَاصِي مَنْ آثَرَ الرَّاحَةَ، وَتَثَاقَلَ فِي الْعِبَادَةِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هَذَا فِيمَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْخِصَالَ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَوْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ
الْمَعَاصِي مَا كَانَ بِهَا كَافِرًا مَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الِاعْتِقَادِ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النِّفَاقَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُعْلَمُ مِنْهُ هَذَا، كَمَا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُهُ مِنْهُ النَّبِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقَتْلُ دُونَ تَأْخِيرٍ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ فِي زَمَانِنَا فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ :﴿ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ ﴾.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : إنَّ أُخُوَّةَ يُوسُفَ عَاهَدُوا أَبَاهُمْ فَأَخْلَفُوهُ، وَحَدَّثُوهُ فَكَذَّبُوهُ، وَائْتَمَنَهُمْ عَلَيْهِ فَخَانُوهُ، وَمَا كَانُوا مُنَافِقِينَ.
وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.