وَقَالَ ابْنُ خَيَّاطٍ : إنَّ بَيْعَةَ عَبْدِ اللَّهِ لِيَزِيدَ كَانَتْ كُرْهًا، وَأَيْنَ يَزِيدُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ رَأَى بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْفِرَارَ عَنْ التَّعَرُّضِ لِفِتْنَةٍ فِيهَا مِنْ ذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ مَا لَا يَفِي بِخَلْعِ يَزِيدَ.
وَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْأَمْرَ يَعُودُ بَعْدَهُ فِي نِصَابِهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ؟ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَفَهَّمُوهُ وَالْتَزِمُوهُ تَرْشُدُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ قَالَ : إنْ مَلَكْت كَذَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، أَوْ عَلَيَّ صَدَقَةٌ، إنَّهُ يَلْزَمُهُ ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِي الطَّلَاقِ مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِتْقِ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : إنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي الطَّلَاقِ.
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ ﴾.
وَسَرَدَ أَصْحَابُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْهَا، فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْمَعَانِي مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَنَا.
وَقَدْ حَقَّقْنَا الْمَسْأَلَةَ بِطُرُقِهَا فِي كِتَابِ التَّخْلِيصِ.