ولما ذكر الدليل القطعي على صحة الإيمان، أتبعه أفضل العبادات فقال :﴿ويقيمون الصلاة﴾ أي يوجدونها على صفة تقتضي قيامها بجميع أركانها وشروطها وحدودها مراقبة لربهم واستعانة بذلك على جميع ما ينوبهم ﴿ويؤتون الزكاة﴾ أي مواساة منهم لفقرائهم صلة للخلائق بعد خدمة الخالق، وذلك مواز لقوله في المنافقين ﴿ويقبضون أيديهم﴾ ولما خص أمهات الدين، عم بياناً لأنهم لا ينسون الله طرفة عين بل يذكرونه في كل حال بقوله :﴿ويطيعون الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا ملك سواه ﴿ورسوله﴾ إشارة إلى حسن سيرتهم وجميل عشرتهم.
ولما ذكر مكارم أفعالهم، أتبعه حسن مآلهم فقال :﴿أولئك﴾ أي العظماء الشأن ﴿سيرحمهم الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال بوعد لا خلف فيه، وهذا مع الجملة قبله مواز لقوله في المنافقين ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ وهو إشارة إلى أن الطريق وعر والأمر شديد عسر، فالسائر مضطر إلى الرحمة، وهي المعاملة بعد الغفران بالإكرام، لا قدرة له على قطع مفاوز الطريق إلا بها، ولا وصول له أصلاً من غير سببها.
ولما بين أن حال المؤمنين مبني على الموالاة وكانت الموالاة فقيرة إلى الإعانة قال :﴿إن الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿عزيز﴾ أي غالب غير مغلوب بوجه، فهو قادر على نصر من يوالي حزبه وأن ينيله من ثمرات الرحمة ما يريد من غير أن يقدر أحد على أن يحول بينه وبين شيء من ذلك ﴿حكيم﴾ أي فلا يقدر أحد على نقض ما يحكمه وحل يبرمه، وفي ذلك إشارة إلى أن المؤمنين لا يزالون منصورين على كل مفسد ما داموا على هذه الخلال من الموالاة وما معها من حميد الخصال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٥٨ ـ ٣٥٩﴾


الصفحة التالية
Icon