والثاني : قال الأخفش : إن ﴿خلاف﴾ بمعنى خلف، وأن يونس رواه عن عيسى بن عمر ومعناه بعد رسول الله، ويقوي هذا الوجه قراءة من قرأ ﴿خلف رَسُولِ الله﴾ وعلى هذا القول، الخلاف اسم للجهة المعينة كالخلف، والسبب فيه أن الإنسان متوجه إلى قدامه فجهة خلفه مخالفة لجهة قدامه في كونها جهة متوجهاً إليها، وخلاف بمعنى خلف مستعمل أنشد أبو عبيدة للأحوص :
عقب الربيع خلافهم فكأنما.. بسط الشواطب بينهن حصيرا
وقوله :﴿وَكَرِهُواْ أَن يجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله﴾ والمعنى أنهم فرحوا بسبب التخلف وكرهوا الذهاب إلى الغزو.
واعلم أن الفرح بالإقامة على كراهة الذهاب إلا أنه تعالى أعاده للتأكيد، وأيضاً لعل المراد أنه مال طبعه إلى الإقامة لأجل إلفه تلك البلدة واستئناسه بأهله وولده وكره الخروج إلى الغزو لأنه تعريض للمال والنفس للقتل والإهدار، وأيضاً مما منعهم من ذلك الخروج شدة الحر في وقت خروج رسول الله ﷺ، وهو المراد من قوله :﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى الحر ﴾.
فأجاب الله تعالى عن هذا السبب الأخير بقوله :﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ أي إن بعد هذه الدار داراً أخرى، وإن بعد هذه الحياة حياة أخرى، وأيضاً هذه مشقة منقضية، وتلك مشقة باقية، وروى صاحب "الكشاف" لبعضهم :
مسرة أحقاب تلقيت بعدها.. مساءة يوم أنها شبه أنصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة.. وراء تقضيها مساءة أحقاب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٦ صـ ١١٨ ـ ١١٩﴾


الصفحة التالية
Icon