وفي قوله : أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم تعريض بالمؤمنين ويتحملهم المشاق العظيمة أي : كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله، وآثروا ذلك على الدعة والخفض، وكره ذلك المنافقون، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان.
والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف.
واستعذروا بشدّة الحر، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر، وقالوا : إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلاً.
وقيل : قالوا للمؤمنين لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسلوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر.
قال ابن عباس، وأبو رزين والربيع : قال رجل : يا رسول الله، الحر شديد، فلا ننفر في الحر.
وقال محمد بن كعب هو رجل من بني سلمة انتهى.
أي : قال ذلك عن لسانهم، فلذلك جاء وقالوا بلفظ الجمع.
وكانت غزوة تبوك في وقت شدّة الحر وطيب الثمار والظلال، فأمر الله نبيه أن يقول لهم : قل نار جهنم أشد حراً، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم : إذا كنتم تجزعون من حر القيظ، فنار جهنم التي هي أشدّ أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم.
قال الزمخشري : قل نار جهنم أشدّ حراً استجهال لهم، لأنّ من تصوّن من مشقة ساعة فوقع بذلك التصوّن في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل.
ولبعضهم :
مسرّة أحقاد تلقيت بعدها...
مساءة يوم إربها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة...
وراء تقضيها مساءة أحقاب
انتهى.
وقرأ عبيد الله : يعلمون مكان يفقهون، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير، لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه، ولما روي عنه الأئمة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon