وإيثار ما في النظم على أن يقال وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله ﷺ إيذان بأن اجلهاد في سبيل الله تعالى مع كونه من أجل الرغائب التي ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله ﷺ، وفي الكلام تعريض بالمئمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه ابتغاء لرضا الله تعالى ورسوله ﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي لاخوانهم تثبيتاً لهم على القعود وتواصياً بينهم بالفساد أو للمؤمنين تثبيطاً لهم على الجهاد ونهياً عن المعروف وإظهاراً لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به، والقائل رجال من المنافقين كما روي عن جابر بن عبد الله وهو الذي يقتضيه الظاهر.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي أن القائل رجل من بني سلمة، ووجه ضمير الجمع على هذا يعلم بما مر غير مرة ﴿ لاَ تَنفِرُواْ ﴾ لا تخرجوا إلى الغزو ﴿ فِى الحر ﴾ فإنه لا يستطاع شدته ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد رداً عليهم وتجهيلاً لهم ﴿ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ التي هي مصيركم بما فعلتم ﴿ أَشَدُّ حَرّا ﴾ من هذا الحر الذي ترونه مانعاً من النفير فما لكم لا تحذرونها وتعرضون أنفسكم لها بإيثار القعود والمخالفة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ تذييل من جهته تعالى غير داخل على القول المأمور به مؤكد لمضمونه، وجواب ﴿ لَوْ ﴾ مقدر وكذا مفعول ﴿ يَفْقَهُونَ ﴾ أي لو كانوا يعلمون أنها كذلك أو أحوالها وأهوالها أو أن مرجعهم إليها لما آثروا راحة زمن قليل على عذاب الأبد، وأجهل الناس من صان نفسه عن أمير يسير يوقعه في ورطة عظيمة، وأنشد الزمخشري لابن أخت خالته :
مسرة أحقاب تلقيت بعدها...
مساءة يوم أريها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة...
وراء تقضيها مساءة أحقاب