وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾
والفرح هو السرور من فعل تبتهج النفس به. والمخلَّفون هم الذين أخلفهم نفاقهم، وتركهم رسول الله ﷺ في المدينة وذهب إلى الجهاد. بعد أن جاءوه بالمعاذير الكاذبة التي قالوها، وقد تركهم رسول الله ﷺ ؛ لأن الحق سبحانه قال :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً... ﴾ [ التوبة : ٤٧ ]
ومن لا يريد أن يجاهد في سبيل الله إن أخذته معك كرهاً، يكون ضدك وليس معك. وسيشيع الأكاذيب بين المؤمنين، ويحاول أن يخيفهم من الحرب، وإذا بدأ القتال فهو أول من يهرب من المعركة. ويبحث عن مغارة أو حجر يختفي خلفه. إذن : فهو ليس معك ولكنه ضدك ؛ لأنه لن يقاتل معك، بل ربما أعان عدوك عليك. وفي نفس الوقت هو يضر بالمسلمين، ويحاول أن يشيع بينهم الرعب بالإشاعات الكاذبة.
ويُبيِّن الحق سبحانه وتعالى هنا فطرة رسول الله الإيمانية بأنه أذن لهؤلاء بعدم الخروج للجهاد مع أن عذرهم كاذب ؛ فجاء قوله :﴿ فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله ﴾ والمقعد هو مكان القعود. والقعود رمز للبقاء في أي مكان. والقيام رمز لبداية ترك المكان إلى مكان آخر، والذين غزوا مع رسول الله ﷺ قاموا واستعدوا للقتال، أما الذين تخلفوا فقد قعدوا ولم يقوموا رغبة في البقاء في أماكنهم.
ويقول تعالى :﴿ خِلاَفَ رَسُولِ الله ﴾ وحين نسمع كلمة ﴿ خِلاَفَ ﴾ نعرف أن مصدرها خالف خلافاً ؛ ومخالفة ؛ كما تقول : قاتل قتالاً ومقاتلة. وهي إما أن تكون مخالفة في الرأي، كأن تقول : فلان في خلاف مع فلان، أي : أن لكل منهما رأياً. وإما أن تكون في السير، كأن تقوم أنت لتغادر المكان ؛ ويخالفك زميلك أو من معك فيقعد، أو تقعد أنت، فيخالفك هو ويمشي.