وقال الآلوسى :
﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا ﴾
إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الأخرى، وإخراجه في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به وذلك لأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل والأكثر فاستعمل في لازم معناه أو لأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر كذا قرره الشهاب ثم قال : فإن قلت : الوجوب لا يقتضي الوجود وقد قالوا : إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائة تحقق المأمور به فالخبر آكد وقد مر مثله فما باله عكس.
قلت : لا منافاة بينهما كما قيل لأن لكل مقام مقالاً والنكت لا تتزاحم فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشدة امتثاله كأنه وقع منه ذلك وتحقق قبل الأمر كان أبلغ، وإذا عبر عن الخبر بالأمر لإفادة لزومه ووجوبه كأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى، وقيل : الأمر هنا تكويني كما في قوله تعالى :﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ] ولا يخفى ما فيه.
والفاء لسببية ما سبق للأخبار بما ذكر من الضحك والبكاء لا لنفسهما إذ لا يتصور في الأول أصلاً، وجعل ذلك سبباً لاجتماع الأمرين بعيد، ونصب ﴿ قَلِيلاً وأكدى كَثِيراً ﴾ على المصدرية أو الظرفية أي ضحكاً أو زماناً قليلاً وبكاء أو زماناً كثيراً، والمقصود بإفادته في الأول على ما قيل هو وصف القلة فقط وفي الثاني هو وصف الكثرة مع الموضوف، فيروى أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.
وجوز أن يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء كناية عن الغم والأول في الدنيا والثاني في الأخرى أيضاً، والقلة على ما يتبادر منها، ولا حاجة إلى حملها على العدم كما حملت الكثرة على الدوام.


الصفحة التالية
Icon