وقول الحق سبحانه وتعالى :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾ جاء بعد قوله :﴿ فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله ﴾ أي : أنهم فرحوا عندما بَقَوْا هم في المدينة، وخرج المؤمنون للجهاد. جلسوا في حدائق المدينة وهم فرحون في راحة وسرور يضحكون ؛ لأنهم يعتقدون أنهم قد فازوا بعدم اشتراكهم في الجهاد. ولكن هذا الضحك هو لفترة قليلة. وسيأتي بعدها بكاء وندم لفترة طويلة وأبدية، عندما يدخلون جهنم والعياذ بالله.
ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾ ولم يقل : سيضحكون قليلاً وسيبكون كثيراً، لماذا؟
نقول : عندما يُسند الفعل إلى المخلوق الذي يعيش في عالم الأغيار، والمختار في عدد من أفعاله، يُحتمل أن يحدث أو يجوز ألا يحدث. ولكن الحق سبحانه وتعالى حين يقول :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ ﴾ أي : أمر بالضحك، ثم يجيء في البكاء ويقول :﴿ وَلْيَبْكُواْ ﴾ أي : ابكوا والأمر بالضحك والبكاء هو أمر اختياري من الله سبحانه وتعالى، تجوز فيه الطاعة وتجوز فيه المعصية؟
إذا كان كذلك، فهل سيطيع المنافقون أمراً اختيارياً لله؟ ونقول : إن ذلك أمر غير اختياري ؛ لأن الحق سبحانه هو وحده الذي يضع في النفس البشرية انفعال الضحك أو انفعال البكاء للأحداث.
وكما بيَّنا فإن الإنسان لا يستطيع الانفعال بالضحك أو البكاء.
والحق حين يقول :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً ﴾ معناها : أن انفعال الضحك قضاء عليهم لا بد أن يحدث. وإذا قال الحق سبحانه وتعالى :﴿ وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾ فلا بد أن يبكوا ؛ لأن انفعال البكاء مكتوب عليهم من الله، وكما يقولون : إن الذي يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وكذلك الذي يبكي أخيراً يبكي كثيراً.