فإذا قال الحق سبحانه وتعالى :" يفعلون " يكون ذلك مقابل يقولون ؛ لأن الإنسان قد يقول بلسانه ولا يفعل بجوارحه. وتوضح ذلك الآية الكريمة :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ [ الصف : ٢-٣ ]
ولكن إذا اتحد القول والفعل يكون هناك عمل. وكل شيء لا يتسق منطقياً مع قيم المنهج يكون فيه افتعال، فالكسب عمل، والاكتساب افتعال الكسب ؛ لأن الكسب عمل طبيعي، والاكتساب هو افتعال الكسب. وسبحانه يقول :﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت... ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]
لأن الاكتساب بالحرام فيه افتعال يتعب النفس، ولا يجعلها منسجمة مع جوارحها، فالرجل مع زوجته في البيت مستقر الجوارح لا يخشى شيئاً. لكنه مع زوجة غيره يهيج جوارحه ؛ فيقفل النوافذ ويُطفئ الأنوار. وإنْ دقَّ جرس الباب يصاب بالذعر والهلع ؛ لأن ملكات النفس ليست منسجمة مع العمل.
أما إذا اعتادت النفس الإثم مثل من اعتاد الإجرام، فلا يهيجها الحرام. وفي هذه الحالة تنقلب عملية الاكتساب إلى كسب، وتعتاد النفس على المعصية وعلى الإثم، ويصبح جزاؤها عند الله أليماً وعذابها عظيماً.
ويقول الحق سبحانه في هذه الآية :﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ وكان مقتضى الكلام أن يقال :" جزاء بما كانوا يكسبون " لأن هذه عملية فيها إثم وفيها معصية، فلا بد أن يكون فيها افتعال، ولكن الحق سبحانه وتعالى يلفتنا إلى أن هؤلاء المنافقين قد اعتادوا المعصية، وعاشوا في الكفر، فأصبحت العملية سهلة بالنسبة لهم، ولا تحتاج منهم أي افتعال.
واقرأ قول الحق :﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله... ﴾ [ المائدة : ٣٨ ]