ويقول سبحانه :﴿ فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ ﴾ فكيف استأذنوا أول الأمر للقعود وتحايلوا عليه، وكيف يستأذنون الآن للخروج؟ نقول : إنهم عندما رأوا المؤمنين وقد عادوا بالغنائم، كان ذلك حسرة في قلوبهم ؛ لأنهم أهل دنيا. وحينئذ طلبوا الخروج حتى يحصلوا على الغنائم والمغانم الدنيوية. ولكن الحق سبحانه وتعالى طلب من رسوله عليه الصلاة والسلام ألا يأذن لهم بالجهاد مع المسلمين، فقال :﴿ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً ﴾ أي : أن أسماءكم قد شطبت من ديوان المجاهدين والغزاة، ولما قرر الحق سبحانه وتعالى ألا يعطيهم شرف الجهاد وثواب الخروج مع رسول الله ﷺ ؟ يقول الحق سبحانه :﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾.
ولكن الحق يقول أيضاً هنا :﴿ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ ﴾ وهذا أمر لا يحدث إلا في الغزوات، فما هو موقفهم إذا حدث اعتداء على المدينة؟ ويبين الحق سبحانه لرسوله ﷺ ألا يقبل قتالاً حتى في هذه الحالة، فطلب من رسوله عليه الصلاة والسلام أن يعلمهم بذلك، ويقول لهم :﴿ وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً ﴾ إذن : فقد حسمت المسألة، فلا هم مسموح لهم بالخروج في الغزوات، ولا بقتال الأعداء إذا هاجموا المدينة ؛ لأنهم أُسقطوا تماماً من ديوان المجاهدين، ولا جهاد لهم داخل المدينة أو خارجها ؛ ما داموا قد فرحوا بالقعود، ورفضوا أن يشتركوا في الجهاد وهم قادرون ؛ لذلك حكم الحق أن يبقوا مع الخالفين.