الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي إعْطَاءِ الْقَمِيصِ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : رُوِيَ ﴿ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إذْ طَلَبَ الْقَمِيصَ كَانَ عَلَى النَّبِيِّ قَمِيصَانِ قَالَ : أَعْطِهِ الَّذِي يَلِي جِلْدَك ﴾.
وَقَالُوا :﴿ إنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً عَلَى إعْطَائِهِ قَمِيصَهُ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْعَبَّاسِ، فَإِنَّهُ لَمَا أُسِرَ وَاسْتُلِبَ ثَوْبُهُ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ، فَأَشْفَقَ، وَطَلَبَ لَهُ قَمِيصًا، فَمَا وَجَدَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ قَمِيصًا يُقَادِرُهُ إلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ، لِتَقَارُبِهِمَا فِي طُولِ الْقَامَةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعْطَائِهِ الْقَمِيصَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْيَدُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى لَا يَلْقَاهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَهُ عِنْدَهُ يَدٌ يُكَافِئُهُ بِهَا ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ الْآيَةَ : نَصٌّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ : إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ﴾ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُفَّارِ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ كُلِّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَفْظًا، وَبِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى.


الصفحة التالية
Icon