أما المنافق الذي يضمر الكفر في قلبه، فهو لا يؤمن بالآخرة ولا يعرف البركة في الرزق، فكأنه أنفق ماله دون أن يحصل على شيء، أي : أن المسألة في نظره خسارة في المال ولا شيء غير ذلك. وإن أنفق الإنسان وهو كاره، فالمال الموجود لديه هو ذلة وتعب ؛ لأنه حصل على المال بعد عمل ومشقة، ثم ينفقه وهو لا يؤمن بآخرة ولا بجزاء.
ويريد الحق سبحانه أن يلفتنا إلى أن رزقه لهؤلاء الناس هو سبب في شقائهم وإذلالهم في الدنيا فيجعلهم يجمعون المال بعمل وتعب ثم ينفقونه بلا ثواب، أي : يخسرونه. والواحد منهم يذهب إلى الحرب نفاقاً، فينفق على سلاحه وراحلته، ولا يأخذ ثواباً، ويُربِّي أولاده ثم تأتي الحرب، فيذهبون نفاقاً للقتال ؛ فيموتون دون استشهاد إن كانوا منافقين مثل آبائهم. وهكذا نجد أن كل أموال المنافق الذي يتظاهر بالإسلام، وهو كافر، تكون حسرة عليه.
ومن هنا فإياك أيها المؤمن أن تعجبك أموالهم ؛ لأنها ذلة لهم في الدنيا ؛ فهم يبذلونها نفاقاً ؛ فإذا امتنعوا عنا الإنفاق وعن الجهاد وهم يتظاهرون بالإسلام ؛ فكأنهم قد أعلنوا أنهم منافقون، وهكذا نجد إنفاقهم كرهاً هو إذلال لهم، وإن لم ينفقوا فهذا أمر يفضحهم، فكأن الأموال والأولاد عذاب لهم، وهذا أمر لا يقتضي الإعجاب، وإنما يقتضي الإشفاق عليهم.
ولا تظن أنك حين حذفتهم من ديوان الغُزاة والمجاهدين بعدم الخروج معك وأنهم لن يقاتلوا معك عدوّاً، أن في أموالهم عوضاً عن الخروج، فلا تعجبك فإنها عقاب وفضيحة وإذلال لهم.
ولكن في الآية الأولى، يقول الحق سبحانه :
﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ ﴾ لماذا؟ لأن منهم من له مال يعتز به، ومنهم من له أولاد كثيرون هم عِزْوته، ومنهم من له المال والولد.