بعد ما أدخل قبره فأمر به فأخرج ووضع على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه - انتهى.
فكأن ابنه ـ رضى الله عنهم ـ استحى من أن يؤذن النبي ـ ﷺ ـ به لما كان يعلم من نفاقه، أو آذنه ـ ﷺ ـ به فصادف منه شغلاً فدفنه فجاء رسول الله ـ ﷺ ـ بعد إدخاله القبر وقبل تمام الدفن فأخرجه تطييباً لخاطر ابنه الرجل الصالح ودفعاً لما قد يتوهمه من إحنة عليه وتأليفاً لغيره، فقد روي أنه قال ـ ﷺ ـ : إني أؤمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب، فأسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب النبي ـ ﷺ ـ، ففي بعض الروايات أنه هو الذي طلب من النبي ـ ﷺ ـ أن يكفنه في قميصه، وتعطفه عليه، أدعى إلى تراحم المسلمين وتعاطف بعضهم على بعض، وقوله : وألبسه قميصه - بالواو لا ينافي الرواية الأولى، وتحمل الرواية الأولى على أنه وعده إعطاء القميص لمانع كان من التنجيز وقت السؤال، فحمل الجزم بالإعطاء على الوعد الصادق ثم أنجزه بعد إخراجه من القبر - والله أعلم ؛ ووردت هذه الآية على طريق الجواب لمن كأنه قال : ما تقدم من أحوال المنافقين كان انتهاكاً لحرمة الله أو لحق الرسول ـ ﷺ ـ، ولم يرد فيه أنه يهينهم بالإماتة على النفاق، فكان يكفي فيه استغفار النبي ـ ﷺ ـ لهم، وأما هذان القسمان فأحدهما أخبر بأنه يميتهم منافقين، والثاني انتهك حرمة المخلصين من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ م أجمعين فهل ينفعهم الاستغفار لهم؟ فكأنه قيل : استوى الاستغفار وعدمه في أنه لا ينفعهم، وختمها بعلة عدم المغفرة في قوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر الذي يبعد فعله من الحكيم الكريم ﴿بأنهم كفروا بالله﴾ أي وهو الملك الأعظم ﴿ورسوله﴾ أي فهم لا يستأهلون الغفران لأنهم لم يهتدوا لإصرارهم على الفسق وهو معنى قائم بهم في الزيادة على السبعين كما هو قائم بهم في الاقتصار على السبعين ﴿والله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿لا
يهدي القوم الفاسقين﴾
أي أنه لا يهديهم لأنه جبلهم على الفسق، وكل من لا يهديه لأنه جلبه على الفسق لا يغفر له، فهو لا يغفر لهم لما علم منهم مما لا يعلمه غيره، فهو تمهيد لعذر النبي ـ ﷺ ـ في استغفاره قبل العلم بالطبع الذي لا يمكن معه رجوع. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٦٥ ـ ٣٦٧﴾


الصفحة التالية
Icon